المصري اليوم

مشروع رأس الحكمة هو بداية حلمى

 

لواء. دكتور / سمير فرج 

 

جاء إعلان السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى عن مشروع رأس الحكمة الاستثمارى الضخم لكى يفرّح كل قلوب المصريين؛ لأنه يعالج مشكلات الفجوة الدولارية التى نتجت عن الأزمات العالمية المتتالية، بدءا من جائحة كورونا، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية، وانتهاء بالحرب على غزة.. ولكنى شخصيا تناولت هذا المشروع بفرحة عارمة من وجهة النظر الأخرى، حيث كنت قد تناولت موضوع الساحل الشمالى منذ ست سنوات سابقة فى مقالاتى فى وسائل الإعلام المختلفة منذ عام 2017، وآخرها العام الماضى.

 

 

 

وتبدأ القصة حينما قضيت أربع سنوات فى قيادة أحد القطاعات العسكرية على الحدود المصرية الليبية، وهو ما مكننى من الإلمام بتفاصيل تلك المنطقة، خاصة المنطقة الساحلية منها التى نعرفها اليوم باسم الساحل الشمالى، الذى يبدأ من غرب الإسكندرية، مرورًا بالعلمين ومرسى مطروح حتى السلوم، حيث الهضبة الرائعة التى تطل على البحر المتوسط، والتى أذكر أن حضر إليها يومًا الفنان المصرى العالمى عمر الشريف بصحبة مجموعة من رجال الأعمال الأجانب، لاستطلاع إمكانية إقامة فندق عالمى، وهبطوا بطائرتهم الهليكوبتر فى المطار العسكرى البريطانى القديم، أعلى هضبة السلوم، وانبهر جميع أفراد المجموعة بروعة المنظر وسحره، الذى يضاهى شواطئ الريفيرا الفرنسية.

 

كذلك تذكرت فترة إقامتى فى العاصمة التركية «أنقرة» لمدة ثلاث سنوات كملحق عسكرى لمصر بها، تلك المدينة المحدودة نسبيًا إلى حد كبير، مما كان يدفع معظم قاطنيها، خاصة من الأجانب وأعضاء الهيئات الدبلوماسية، للتوجه إلى ساحل أنطاليا فى عطلات نهاية الأسبوع عبر طريق رائع بين أنقرة وساحل أنطاليا، تقطعه فى ساعتين، حيث يعتبر ساحل أنطاليا امتدادا للسواحل المصرية على البحر المتوسط، التى تبدأ من السلوم غربًا وتنتهى فى مدينة العريش شرقا، الذى يعد أيضا أحد أجمل شواطئ مصر، لتميزه بالنخيل المصرى الممتد على طول النظر، فتشعر فيه وكأنك فى أحد شواطئ ميامى بالولايات المتحدة، ثم تتصل الشواطئ المصرية بشواطئ فلسطين ولبنان وسوريا، ومنها إلى سواحل أنطاليا فى تركيا، ثم سواحل جنوب أوروبا.

 

والحقيقة أن نموذج السواحل التركية والرؤية التى قام عليها ناجحة بكل المقاييس، فذلك الساحل، على امتداده، يضم مدنًا سياحية جميلة مثل مرمريز التى تشبه فى روعتها مدينة شرم الشيخ، ومدينة بودروم التى تشبه فى سحرها مدينة الغردقة، وتضم إحدى القلاع التركية القديمة الشبيهة بقلعة قايتباى فى الإسكندرية، والشهيرة بحفلات العشاء التى تقام بها يوميًا وسط البحر المتوسط، وتعتبر إحدى الوجهات الأساسية للسياح، الذين يحتاجون لتأكيد حجز مكان بها لأسبوع كامل من شدة الإقبال عليها.

 

ولقد اهتمت تركيا بهذا الساحل، وبتوفير الخدمات اللازمة لجنسيات السياح الذين يرتادونها، فأقامت مثلًا مجموعة قرى سياحية جاذبة لسياح الدول الإسكندنافية، كالنرويج والدنمارك، فتجد العاملين فيها من الأتراك يتقنون لغة الفلامش، ويجيدون تقديم الأطعمة والمشروبات الخاصة بأهل تلك الدول.

 

ورغم نجاح التجربة التركية فى استقطاب نحو 30 مليون سائح سنويًا، تحقق حوالى 20 مليار دولار سنويا من سواحل أنطاليا، وما لذلك من مردود إيجابى على الاقتصاد التركى.. فهل تعلم، عزيزى القارئ، أن أيا من أولئك السياح لا يجد الفرصة للاستمتاع بمياه البحر المتوسط، نظرا لقتامة مياه ساحل أنطاليا التى تصل إلى اللون الأسود.

 

فضلًا عن أن شواطئها صخرية خالية من الرمال، فحتى ارتداء الحذاء عليها لا يحميك من أذى صخورها، مما يضطر السائح لقضاء إقامته حول حمامات السباحة الصناعية؟!.. وهو ما كان يشعرنى بالحسرة على عدم حسن استغلال هبة رب العالمين لنا فى مصر، سواء بروعة الطقس فى معظم شهور العام، أو امتداد سواحلنا على البحرين المتوسط والأحمر، وما يتيحه كلاهما من خصائص فريدة، فضلًا عن الشواطئ الرملية الناعمة وزرقة المياه ونقائها، بما يمكنك من رؤية قاع البحر.

 

وفى الصيف الماضى، أثناء جولتى فى ساحل العلمين، سعدت برؤية إخواننا العرب يستمتعون بكل ركن فيه، سواء فى المطاعم، أو المقاهى، واستوقفنى أحد الإخوة العرب الذى بدا أنه تعرف عليّ من مداخلاتى على عدد من القنوات العربية، للحديث عن قضايا الأمن القومى، فبادرنى بسؤال: «الدنيا رايحة فين؟ الحرب بين روسيا وأوكرانيا هتخلص إمتى؟».

 

وبعد حديث بسيط، قال لى: «يا أخ سمير.. مش حرام يبقى عندكم هذه الثروة الجميلة من أجمل شواطئ الدنيا، ولا نجد غرفة فندقية واحدة فى الساحل الشمالى، بسبب قلة الفنادق التى اضطرتنا لاستئجار الوحدات السكنية الخاصة، التى رغم روعتها، فإنها لا توفر لنا ما نحتاجه كعائلات خلال العطلات، بألا نشغل بالنا بإعداد الطعام، ونظافة المكان، وأن نمنح ربة المنزل الفرصة للاستمتاع بإجازتها؟!».

 

ثم دعانى للنظر حولى، لملاحظة أعداد الإخوة العرب الذين تبدو عليهم الفرحة والبهجة، مضيفًا: «أنتم بالذات يا مصريين لكم مكانة خاصة فى قلوبنا، وبينكم لا نشعر بأى غربة، بكل ما تملكونه من كرم الضيافة، وجمال الشواطئ، وحلاوة المياه، واعتدال الطقس، فضلًا عن الطرق الرائعة، والمطارين اللذين يستقبلان رحلات مباشرة من معظم الدول العربية.. أليس حرامًا ألا يكون عندكم فنادق كافية؟!»

 

والحقيقة أننى لم أتمكن من الإجابة أو الدفاع أمام كلمات الحق التى قالها الأخ العربى، فالسواحل المصرية تستحق أن يُحسن إدارتها والاستفادة منها، لتتبوأ مكانتها المستحقة على خريطة السياحة العالمية، لذلك تمنيت ساعتها أن يشهد الساحل الشمالى تشغيل عدد كبير من الفنادق السياحية التى تتناسب مع أهميته، وطول شواطئه، وطاقاته الاستيعابية، خاصة فى مناطق سيدى حنيش، ومطروح، ورأس الحكمة، التى أعتبرها دون مجاملة أو تحيز أجمل بقاع الدنيا.

 

وجاءت المفاجأة بإعلان السيد رئيس الوزراء عن ذلك المشروع المهم، أن نستغل هذا الحدث ونستكمل تخطيط باقى الساحل الشمالى بعد رأس الحكمة إلى مطروح وسيدى برانى حتى هضبة السلوم.. خاصة أن الدولة قامت ببناء الطريق الساحلى الرائع الآن حتى الحدود الليبية.. وبذلك تدخل هضبة السلوم الرائعة ضمن خطة تطوير باقى الساحل الشمالى.

 

خاصة وجود المطارات التى تغطى تلك المنطقة بالكامل، فهناك مطار مطروح ومطار سيدى برانى وكلها مطارات على مستوى عالمى، وبهذا يمكن أن يحقق الساحل الشمالى دخلًا يعادل عشرين مليار دولار مثلما يحدث فى تركيا الآن من ساحل أنطاليا.. لذلك أقول: الحمد لله أن مشروع رأس الحكمة هو البداية لتطوير باقى الساحل الشمالى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى