الأهرام

أنا والجنرال شارون على شاشة BBC (2)

1نوفمبر 2023

لواء دكتور/ سمير فرج

 

في مقالي، الأسبوع الماضي، استعرضت ملابسات مشاركتي في برنامج “بانوراما”، البرنامج الحواري الأشهر في بريطانيا، وأوروبا، حينئذ، والذي يذاع، على الهواء مباشرة، مساء الأحد، على شاشات التليفزيون البريطاني BBC، ويقدمه أشهر مقدمي البرامج، آنذاك، إدجار آلان. ورويت كيفية تحول مشاركتي من مجرد حوار إلى مناظرة بيني وبين الجنرال أرئيل شارون، أحد أبرز القادة الإسرائيليين في حرب أكتوبر 73، والذي أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل، لاحقاً.

وفي اليوم المحدد لإذاعة البرنامج، دخلنا الأستوديو، وجلس إدجار آلان في المنتصف، وعن يمينه الجنرال شارون، وجلست أنا عن يساره، وبدأ البرنامج بعرض تسجيل لطرفي المناظرة؛ فحكى الجنرال شارون كيفية بدء المعركة مع المصريين، يوم 6 من أكتوبر، وسرد سير العمليات من وجهة النظر الإسرائيلية. أما التسجيل الخاص بي فتضمن عرضاً للخطة المصرية، التي مكنتنا من عبور القناة، وتدمير خط بارليف.

وبعد انتهاء الفقرات المسجلة، التي امتدت لنصف ساعة لكل منا، بدأ أعضاء مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن، في توجيه أسئلتهم بناء على ما قدمناه عن الخطة المصرية والخطة الإسرائيلية، وكان السؤال الأول من نصيبي، ونصه “لقد ذكرت أن تخطيط تلك الحرب كان مصرياً مائة بالمائة، إلا أن دراسة سير أعمال القتال، وطبقاً لخرائط الأقمار الصناعية الأمريكية، كان تقدمكم في الحرب إلى الخط الأول بعمق 3 كيلومتر، ثم الخط الثاني بعمق 9 كيلومتر، والثالث بعمق 15 كيلومتر، متطابقاً مع العقيدة السوفيتية، ألا تعتبر ذلك دليلاً على أن التخطيط كان روسياً؟”

فطلبت من هيئة التحكيم التدقيق في الخرائط التي قدمتها، والتي توضح أن الخط لم يكن مستقيماً، بل كان يزيد عن 2 كيلومتر ولا يصل إلى 3 كيلومتر، مضيفاً أن الوصول لهذه الخطوط كان محكوماً بمدى حائط الصواريخ المصري، لتغطية الخطوط التي تصل إليها قواتنا، وهو ما يثبت أن التخطيط كان مصرياً.

فبادرتني هيئة التحكيم بالسؤال الثاني، عن أسباب عدم استغلال قواتنا لنجاحها يوم 9 أكتوبر، في التقدم للمضايق، بعد صد الهجوم المضاد الإسرائيلي، الذي خسرت خلاله إسرائيل 400 دبابة، وهو رقم مخيف، على حد تعبيرهم. فوضحت لهم أن المهمة التي تحددت للقوات المصرية، هي القيام بعملية عسكرية محدودة، وفقاً لإمكاناتها، في ضوء رفض السوفييت، قبل الحرب، إمداد مصر بصواريخ سام المتحركة، والتي كان بإمكانها العبور خلف القوات وتأمينها حتى نصل إلى المضايق.

ثم حان دور الجنرال شارون في الرد على السؤال الموجه له عن أسباب تأخر قياداته في استدعاء الاحتياطي، وفشل هجماتهم المضادة لتدمير المصريين وإعادتهم لغرب القناة؟ فأجاب شارون بأن جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، ووزير دفاعها موشي ديان، هما المسؤولان عن تأخر استدعاء الاحتياطي، أما فشل الهجوم المضاد فيرجع لسوء تخطيط الجنرال جونين، قائد الجبهة الإسرائيلية أمام مصر، الذي عُزل من منصبه بعد الحرب.

فانتقلت لجنة التحكيم إليّ بسؤال عن كيفية النجاح في عبور القناة، وصد الاحتياطات الإسرائيلية المدرعة، رغم كوننا بدون دبابات؟ فأجبت بأن الفريق الشاذلي قد نظم دفاعاتنا بفكر جديد، في “التوجيه 41″، في رأس الكوبري باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات مع المشاة، دون انتظار للدبابات. وقد أشاد الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون، من معهد الدراسات الاستراتيجية، بذلك الفكر الجديد، مؤكدين ضرورة تطبيقه في أية عمليات عسكري قادمة.

ثم وجه الخبراء أنظارهم للجنرال شارون، مترقبين الرد على سؤاله عن أكبر مفاجآت حرب أكتوبر بالنسبة للإسرائيليين؛ وعما إن كانت في هجوم المصريون يوم عيد الغفران وهو عيد ديني لإسرائيل، أم تزامن الهجوم المصري والسوري على جبهتين في وقت واحد، أم إغلاق مصر لمضيق باب المندب، أم اختيار مصر للساعة الثانية ظهراً لبدء الهجوم، أم هجوم المصريون على كامل المواجهة، أم مفاجأة أخرى من وجهة نظره؟

والحقيقة أن رد شارون فاجأني شخصياً، إذ أجاب بأنهم توقعوا الهجوم المصري عاجلاً أو آجلاً، إلا أن المفاجأة الحقيقية، من وجهة نظره، كانت “الجندي المصري”، مضيفاً أنهم خاضوا حروباً ضد مصر في 1956 و1967، ومن خلال استجوابه للأسرى المصريين، استطاع أن يلمس الفرق بينهم وبين أسرى حرب 1973، الذين أكتشف أنهم، جميعاً، من خريجي الجامعات، عكس سابقيهم ممن لم يجيدوا القراءة والكتابة.

ولم يكتف شارون بتلك الشهادة في حق الجنود المصريون، وإنما أضاف عليها ما لمسه من روح قتالية عالية، وبأس شديد، بل وساق بنفسه الأدلة على ذلك، عندما روى أنه كان متقدماً في اتجاه الإسماعيلية، بعشر دبابات، فخرج من بين شجر المانجو ستة جنود مصريون، من الكوماندوز، يحملون مدافع RPJ، وهو ما يعني هلاكهم، حتماً، لعدم تكافؤ القوة، ورغم ذلك، فقد دمروا ست دبابات إسرائيلية، قبل أن نقتلهم. واختتم إجابته بضرورة أن يراعي الجيش الإسرائيلي، طبيعة الجندي المصري الجديد، في حال اضطر لمواجهته مستقبلاً.

وهنا سألته لجنة التحكيم عما إن كانت مسئوليته عن خسائر إسرائيل في معركة غرب القناة، التي فاقت خسائرها في حربي 56 و67، مجتمعتين، السبب وراء تسميته بالجنرال الدموي؟ وهنا ثار شارون صارخاً “أنا رفعت العلم الإسرائيلي فوق أفريقيا … أنتم تغارون مني لأنني جنرال ناجح “، فلحقته اللجنة بتعليق “ولكنك انسحبت ولم تحقق شيئاً”، واحتدم النقاش، وكاد أن يترك المنصة، لولا تدخل إدجار آلان لتهدئة الموقف.

وانتهت أشهر مناظرة في التاريخ العسكري بانتصار جديد لمصر، وهزيمة أخرى لإسرائيل، إذ حصلت مصر على ثمان نقاط، مقابل أربعة لشارون.

 

Email: sfarag.media@outlook.com

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى