الأهرامفي الأقصـــرمقالات صحفية

النجـاح لا يأتـى منفـردا

سبع سنوات قضيتها فى الأقصر، تحولت فيها من قرية زراعية صغيرة تحوى ثلثى آثار العالم، إلى مدينة جميلة بل إلى محافظة، ذات كيان متكامل.والحقيقة أن هذا التطور الذى شهدته الأقصر، لم يكن صنيعة فرد واحد، بل نتاج تضافر عدد من العناصر، يأتى على رأسها رئيس الجمهورية، الذى زار الأقصر ثمانى مرات خلال تلك السنوات السبع، لمتابعة خطة التنمية المقررة. وهو ما لم يحدث من قبل فى تاريخ أى محافظة، أن تحظى بهذا العدد من الزيارات الرئاسية، خلال تلك المدة.

ثم يأتى دور الأجهزة التنفيذية بالدولة، بدءا من الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، آنذاك، الذى كان يعقد اجتماعين شهرياً لمتابعة خطة التطوير بالمحافظة، وكان حريصا على القيام بزيارة ميدانية كل بضعة أشهر، للوقوف على حجم التنفيذ والإنجاز.

وتلته السيدة العظيمة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولى آنذاك، التى وفرت التمويل اللازم لتنفيذ كل المشروعات الرئيسية المدرجةبخطة التطوير، دون زيادة الأعباء على موازنة الدولة، فكانت أول منحة من الاتحاد الأوروبى لإعادة فتح طريق الكباش. وأذكر هنا يوم تكريمى فى الاتحاد الأوروبي، منذ عامين، عن مشروع فتح طريق الكباش وتحويل الأقصر إلى متحف مفتوح، أننى أعتبرت، هذا اليوم، تكريماً لها على مجهوداتها، التى لا ينكرها إلا جاحد. وقد أثنى جميع المسئولين بالاتحاد الأوروبي، وكذلك الحضور، على مساهماتها وأشادوا بمجهوداتها فى إنجاح هذا العمل، وذكرهاالجميع بأطيب الكلمات.

يضاف إلى تلك العناصر السابقة، عنصر آخر، وهو المهندس أحمد المغربي، وزير الإسكان الأسبق، الذى أكمل منظومة الدعم للأقصر بأن أدرج تجديد طرقاتها فى موازنة الوزارة، ليحولها بذلك إلى هذه المدينة الرائعة التى نراها اليوم فلا يسعنى إلا أن أذكره بالخير.

لم تكن تلك المساهمات، أبداً بصفة شخصية، وإنما إيماناً من الجميع بأهمية المشروع، بعد الاطلاع على خطته الموضوعة مسبقاً. وإيماناً منى بأهمية تكريم أصحاب الأعمال الرائعة فى حياتهم، فقد أطلقت أسماء هؤلاء العظام، على ثلاثة شوارع رئيسية فى الأقصر، بعد موافقة المجلس المحلى للمحافظة، وبعدهابأسبوع تلقيت مكالمة تليفونية من أحد كبار المسئولين فى الدولة، معاتباً ومستنكراً هذا القرار، فأكدت له أنهم أصحاب فضل حقيقى فيما وصلت إليه الأقصر، ومع ذلك طلب منى إزالة تلك الأسماء. وتذكرت حكمة غالية تعلمتها من والدتى، رحمة الله عليها “كلمة حاضر بتريح… واعمل اللى انت عاوزه”!

وبذكر المجلس المحلى للمحافظة، لا يفوتنى ذكردوره فى تحمل عبء الموافقة على قرارات الإزالة. فقد اقتضت خطة التطوير أن نزيل شوارع بأكملها بما عليها من مبان، ومحال، وأسواق، وهو ما يتطلب موافقة المجلس المحلي، الذى تعرض لضغوط كثيرة من الأهالي، وكان الصياح دائماً “هل انتخبناكم لتوافقوا على إزالة منازلنا؟”. ولأول مرة تظهر فلسفة مصلحة المحافظة أو المدينة، قبل مصلحة الفرد،ودونما إخلال بحقوقه.

وغير هؤلاء، هناك كثيرون ممن أسهموا فى تنفيذ خطة التطوير؛ أذكر عندما قررت نقل مساكن القرنة… وهى منطقة مقابر المصريين القدماء فى البر الغربى… تسكن 3200 عائلةفوق 95 مقبرة منها!! فبدأت أولاً ببناء قرية جديدة نموذجية، خارج حدود المنطقة الأثرية، استغرق بناؤها عاما كامل، بواسطة القوات المسلحة. دأبت خلال هذا العام على سماع تعليق متكرر “خليه يبنى ولن ننتقل إليها، وسيحاكم بتهمة إهدار المال العام”.ولقد حاول حسن فتحي، أعظم المهندسين المصريين فى العصر الحديث، نقلهم إلى قرية جديدة تحمل اسمه، ولها نفس الطراز المعمارى الذى صممه، وأصبح حديث العالم كله… رفض الأهالى الانتقال، ولم يكن عددهم قد تعدى 80 أسرة حينئذ!…

انتظرت الانتهاء من إنشاء القرية الجديدة، ليكون حديثى عما هو قائم بالفعل، وليس ما هو مسطور فى ملفات. بدأت الجلسات مع شباب القرنة، محدثاً إياهم عن المنازل الجديدة التى سيتسلمونها بعقود تمليك نهائية، وبدون مقابل مادي. حدثتهم عن الخدمات المتوافرة فى القرية الجديدة… شبكة مياه، وصرف صحي، وكهرباء، ومدارس للبنين والبنات حتى المرحلة الثانوية، منها مدارس لغات، وجمعية استهلاكية، ومركز شرطة، ووحدة صحية، ومركز ثقافى واجتماعي، وملاعب كرة. ورويداً رويداً، بدأ البعض يعى الفرق… فمساكنهم الحالية بدون مياه أو كهرباء، والصرف الصحى يتجمع فوق المقابرالفرعونية.

وكان من عوامل الجذب والإقناع، ما قامت به الرائدات الريفيات، وهو مشروع رائع، خطط له الدكتور إسماعيل سلام، وزير الصحة الأسبق، إذ تحدثن مع السيدات وفتيات تلك العائلات، عن مميزات الانتقال إلى القرية الجديدة. فى حين تولى ذات المهمة مع الرجال، فضيلة الشيخ محمد الطيب، كبير المنطقة، الذى ينفذ المحاكم العرفية فى البر كله، وبمساعدة أخيه الأصغر فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذى كان يشغل منصب رئيس جامعة الأزهر آنذاك، وكان يحضر إلى الأقصر كل خميس ويجلس مع الأهالى حتى مساء الجمعة، يستمع إلى مشاكلهم ومطالبهم، والتى كان لفضيلته وللشيخ محمد الطيب دور كبير فى حلها. أذكر منها على سبيل المثال، أنه جرت العادة فى صعيد مصر، أن الأرملة أو المطلقة، تعود إلى بيت والدها أو أخيها، فتم تخصيص منزل صغير، ملحق بمنزل الوالد أو الأخ، ليكون سكناً مستقلاً للأرامل والمطلقات.

واليوم عندما تزور البر الغربى بالأقصر، تستشعر روعة المكان… فعن يمينك وادى الملوك بمقابر عددها64، من أشهرها مقبرة توت عنخ آمون وتحتمس… وعن يسارك وادى الملكات الذى يضم 70 مقبرة، أهمها مقبرة نفرتارى، أعظم مقابر الدنيا… ثم فى المنتصف ترى باقى المقابر الفرعونية وعددها 150، بعدما تم نقل السكان من فوق 95 مقبرة منها إلى قرية “القرنة الجديدة”.

ذكرت هذا لأوضح للجميع أن النجاح، خاصة فى العمل العام، ليس مجهوداً فردياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى