الأهرامفي الأقصـــرمقالات صحفية

إنجازات … ظلمتها ثورة يناير

الساعة تقترب من الثامنة صباحاً … موعد توجهى إلى مكتبى بعد الانتهاء من جولتى اليومية فى طرقات المحافظة، والمشاركة فى واحد من الطوابير الصباحية للمدارس.

يوم مشرق وجميل من أيام الأقصر، التى لا يضاهى روعة شتائها أى بقعة من بقاع العالم. وفجأة تغيرت الصورة فأنا ألمح من بعيد تجمعاً لعدد من السائحين أمام مدخل أحد الفنادق الكبرى. وبدا جلياً أن حالة من الغضب تسيطر على الموقف فاقتربت مسرعاً لأستوضح الموقف فعلمت أن أحد السياح قد انتابته وعكة صحية يبدو من أعراضها، حتى لغير المتخصص أنها أزمة قلبية. لم يكن ذلك،بالطبع،هو سبب التجمهر الغاضب وإنما سببه الأول الذى دفع السياح للخروج إلى الشارع، هو تأخر وصول سيارة الإسعاف والتى قُدر لها أن تصل فى وجودي، لأكون أول المصدومين ناهيك عن صدمة السياح أنفسهم!…

وصلت السيارة القديمة المتهالكة ونزل منها السائق الذى اتضح أنه هو نفسه المسعف لأجد رجلاً قد تعدى الخمسين من عمره لم يحلق ذقنه منذ أيام مرتدياً ثياباً رثة مكونة من جاكت رث، وبنطلون بيجامة، وشبشب آه والله شبشب! ثم فتح الباب الخلفى للسيارة فبدت خاوية من أى معدات إسعاف اللهم إلا أسطوانة أكسجين، وإن كنت شبه متأكد من خلوها من الأكسجين. ثم سحب نقالة من القماش تشبه تلك التى كنا نراها فى سينما الخمسينيات فازداد المشهد ارتباكاً مع ارتفاع صيحات السائحين التى وصلت لحد الصراخ رافضين تسليم زميلهم للهلاك.

على الفور فتحت باب سيارتي، ودخل المريض ومعه مرافقوه وأمرت سائقى بالتوجه بهم فوراً إلى المستشفى الدولى.

انفض التجمهر واستقللت إحدى سيارات الميكروباص الأجرة مستأنفاً رحلتى إلى ديوان عام المحافظة وما إن دخلت مكتبى حتى اتصلت هاتفياً بالسيد وزير الصحة معرباً عن شديد انزعاجى من سوء مستوى الخدمة، ومؤكداً عدم قبولى بتكرار ما حدث فأخبرنى سيادته بأن وزارة الصحة بصدد استحداث منظومة متكاملة للإسعاف فى مصر. دفعنى تكرار تفاصيل المشهد فى ذهنى لإيجاد حل فورى لحين بدء تطبيق المنظومة الجديدة فاتصلت بالهيئة العربية للتصنيع، وطلبت منهم تجهيز سيارتى إسعاف جديدتين للأقصر، وتزويدهما بأحدث الأجهزة والمعدات اللازمة ثم اتصلت بغرفة السياحة طالباً منهم تحمل تكاليف السيارتين وتجهيزاتهما. ودون الحاجة إلى الاسترسال فى أهمية جودة مثل تلك الخدمة، لمحافظة الأقصر أصدرت غرفة السياحة شيكاً بالمبلغ المطلوب، للهيئة العربية للتصنيع. وبعد خمسة عشر يوماً وصلت السيارتان الجديدتان للأقصر، جاهزتين للقيام بمهمتهما الحيوية.

ووفقاً لاتفاقى مع وزير الصحة، وصل إلى الأقصر فى الموعد المحدد الدكتور ناصر رسمى الذى تشرفت بمعرفته ليس كواحد من أمهر أطباء القلب فى مصر فحسب وإنما كعقلية إدارية متميزة قلما تقابل مثلها جلسنا معا، وعرض على فكرته والخطوات التى تم اتخاذها لإنشاء منظومة جديدة للإسعاف فى مصر، عن طريق استصدار قرار جمهورى بإنشاء هيئة عامة متخصصة لهذا الغرض. اعتمدت فكرته على أن تصبح هذه الهيئة الجديدة موازية للمرفق الحالي، ومستقلة عنه فى ذات الوقت لتحل محله تدريجياً بالتوسع فى جميع محافظات مصر حتى يتلاشى ذلك الكيان القديم. كما أطلعنى الدكتور ناصر رسمى على خطته لتغطية جميع محافظات الجمهورية، وطرقها السريعة، وكيفية ربطها بشبكة لاسلكية، وشبكة تتبع آلى لكل سيارة، موضحاًالمعايير الموضوعة لتقسيم السيارات من حيث التجهيز وأماكن الخدمة بحيث توجد السيارات ذات اللون البرتقالي، صغيرة الحجم نسبياً، للعمل داخل المدن، فى حين تعمل السيارات الأكبر حجماً ذات اللون الأصفر، للعمل على الطرق السريعة.

ومن ناحية العنصر البشرى فقد تم وضع خطة لتدريب المسعفين فى مراكز تدريب متخصصة، ذات جودة عالية لضمان كفاءة مخرجاتها بالإضافة إلى تعيين أفراد جدد وتدريبهم كسائقين لتلك السيارات، وما يتطلبه ذلك من إدراك لطبيعة المهمة مع عدم إغفال أهمية المظهر العام لجميع العاملين فتم تدبير ملابس جديدة، بتصاميم متميزة فى مصانع مهمات القوات المسلحة.

فضلاً عن تأسيس مركز اتصال موحد Call Center يغطى جميع محافظات مصر.

ولم تكتف الخطة التى كان تنفيذها قد بدأ بالفعل بكل ما تقدم، وإنما أضافت خدمة الإسعاف الطائر، بشراء طائرتى إسعاف من إيطاليا، وضمهما إلى الخدمة وهو ما شجعنى خلال لقائى الدكتور ناصر رسمى على أن أطلب منه إضافة خدمة الإسعاف النهرى، إذ يعمل 284 فندقاً عائماً بين محافظتى الأقصر وأسوان، وهو ما استجاب إليه على الفور ليس بإدراجه فى الخطة فحسب وإنما بتنفيذه فلم تمر إلا أسابيع قليلة وكانت المراسى النهرية قد تم تجهيزها فى الأقصر فى حين كانت لنشات الإسعاف النهرى يتم تصنيعها بالفعل فى مصانع وزارة الإنتاج الحربي.

ووصلت الدفعة الأولى من ضمن ثلاثة آلاف سيارة من سيارات الإسعاف الجديدة المجهزة بأحدث تقنيات العصر الحالى التى كان الدكتور ناصر رسمى قد سافر إلى ألمانيا للتعاقد عليها، وكان لمحافظات الصعيد والمحافظات السياحية، النصيب الأكبر منها وتوالى تنفيذ بنود الخطة القومية الرائعة لتغطية محافظات مصر وطرقها وعندما تتجول اليوم فى أى مدينة، أو تسافر على أى من طرق مصر الصحراوية أو الزراعية انتبه جيداً ألا تغفل المجهود الخارق الذى قام به رجل وطنى اسمه الدكتور ناصر رسمى بمعاونة فريق عمل اشتركوا فى وضع وتنفيذ خطة، ستخدم مصر بكفاءة لمدة لا تقل عن عشرين عاماً قادمة أتمنى أن يتم خلالها وضع خطة التجديد والإحلال، والإسراع فى تنفيذها للحفاظ عل كفاءة المنظومة.

نما إلى علمى مؤخراً، أن مستشفى وادى النيل، التابع لإحدى المؤسسات القومية فى مصر بصدد افتتاح توسعاته من حيث عدد الأسرة وتطوير غرف العمليات وإضافة تخصصات دقيقة مثل زراعة الكبد والكلى وعلاج الأورام باستخدام الطب النووي. وبسؤال بسيط عن هذا التطور علمت أن هذا الطبيب البارع علمياً وإدارياً قد تولى إدارة المستشفى فتيقنت من أن مصر مازالت بخير بفضل عقول أبنائها العظام، أصحاب الفكر والإرادة المهم هو حسن اختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى