الأهرامالقوات المسلحة وإنتصارات أكتوبرمقالات صحفية

مولد سيدي أكتوبر … (2)

“يهل علينا شهر أكتوبر … من كل عام … فتنشط ذاكرة المصريين … ونستعيد تفاصيل هذا الحدث العظيم في تاريخ مصر الحديث … الذي حققت فيه أعظم انتصاراتها العسكرية. في شهر أكتوبر من كل عام … تمتلئ أعمدة الصحف بالكتابات، والتحليلات، والذكريات، عن حرب أكتوبر … وتظهر الدبابات، والمدفعية، وخط بارليف على شاشات التليفزيونات … وتبدأ الندوات العلمية في الجامعات المصرية، وأندية الروتاري، والإنرويل … الجميع يتحدث عن روح أكتوبر، فيستحضر الشعب المصري ذكريات انتصاراته، وما حققته مصر في حرب أكتوبر 73 …. ويمر شهر أكتوبر … وينتهي “مولد سيدي أكتوبر” … ليبدأ من جديد في موعده من العام القادم!”

كانت تلك مقدمة مقالي، في هذا المكان، في الأسبوع الماضي … وقد تعمدت كتابة هذه الكلمات خوفاً من ذاكرة الأمة. فمازلت أذكر نشأتي، وأنا طفلاً صغيراً، في مدينة بورسعيد، عندما كنا نحتفل، بذكرى عيد النصر في يوم 23 ديسمبر من كل عام. هذا النصر العظيم، الذي حققته مصر على ثلاث دول هي بريطانيا العظمى، وفرنسا، وإسرائيل. فغنى المصريون، والعرب جميعاً، فرحاً مع أم كلثوم، وعبد الحليم، وشادية، ونجاح سلام، وغيرهم. وشهدت مدينة بورسعيد أجمل الاحتفالات، وهي تستقبل زعيم مصر والأمة العربية، لإحياء ذكرى النصر في كل عام … ورويداً رويداً … بدأ هذا الاحتفال يخبو … بل ويختفي … ولم يبق من ذكراه سوى أن صار يوم عطلة رسمية، قاصرة على المدارس فقط، فرح بها الطلبة، بالرغم من جهلهم بسببها!

ومن هنا جاء خوفي على ذكرى يوم 6 أكتوبر … من أن يصبح، بعد عدة سنوات أخرى، مجرد يوم عطلة رسمية مدرجة على أجندة العطلات السنوية في مصر. ولتفادي ذلك المحو والنسيان، فالمسئولية تقع على عاتق العديد من الجهات بالدولة، لذا رأيت أن أنبهها، وأعاتبها عتاب المهتم بحال البلد. وأهمهم وزارة التربية والتعليم، المسئولة عن تضمين ملحمة حرب أكتوبر العظيمة، في المناهج الدراسية لكل عام، والتضمين هنا لا يعني الإشارة إلى تاريخ الحرب، وانتصار المصريين فيها، فحسب، وإنما يكون بالاستفاضة في عرض قصص وبطولات أبناء القوات المسلحة المصرية، الذين حققوا هذا النصر العظيم، وكذلك عرض ما بذله الشعب المصري من تضحيات في تلك الفترة، لتظل محل فخر الأجيال المتلاحقة.

لقد ذكرت من قبل، في مناسبات عدة، أن الولايات المتحدة الأمريكية، صنعت أبطالاً أسطوريين، مثل “رامبو”، لتعزز عند شعبها إحساس الفخر والانتماء، خاصة عندما اكتشفت أن الشعب الأمريكي لا يمجد حربها في فيتنام، وفي أفغانستان. فما بالنا ونحن أصحاب ملاحم حقيقية، رسمت التاريخ الحديث لمصر، والمنطقة العربية  بأسرها، ما بالنا لا نبرزها في المقام اللائق بها؟! لذا، فالمطلوب من وزارة التربية والتعليم، خاصة وأنها بصدد تطوير المناهج التعليمية، أن تعمل على إضافة تفاصيل بطولات حرب أكتوبر، في مادة التاريخ، لكل عام دراسي، مع مراعاة أن يتناسب الموضوع مع سن الطالب، ومرحلته الدراسية، لينهي مراحل تعليمه، وقد ألم بجميع التفاصيل والبطولات الخاصة بتلك الحقبة من تاريخ مصر الحديث، بهدف الحفاظ على ذاكرة الأمة. فضلاً عن تخصيص بعض من الرحلات المدرسية‘ إلى المواقع الحقيقية للحرب، وهو ما كان معمولاً به من قبل، وكان له شديد الأثر في ربط الطلاب، منذ صغرهم، بتاريخ الآباء والأجداد، وبطولاتهم.

وعلى مستوى الجامعة، فيجب على المجلس الأعلى للجامعات اتخاذ القرارات اللازمة بشأن نوعية الأنشطة الثقافية المقررة لطلبة الجامعة، سواء في الاحتفالات، أو المحاضرات، وحتى الزيارات إلى بانوراما حرب أكتوبر، والمتاحف العسكرية، التي توضح بطولات الجيش المصري عبر العصور، وأن يكون هناك جزءاً من المناهج الدراسية للطلبة، مخصصاً لإجراء أبحاثاً حول أمن مصر، ودور الجيش المصري في حماية الأوطان.

هذا بالإضافة إلى ما تطرقت إليه، في مقال سابق، من ضرورة إنتاج أفلام روائية جديدة، توثق لحرب أكتوبر 73، لما لهذه النوعية من الأفلام من قدرة على إظهار حجم وشكل البطولات، ولما لها من تأثير في جذب المشاهدين، وخاصة الشباب، وتثبيت الأحداث في الذاكرة.

إن ما دفعني إلى التفكير في كتابة هذه السطور، هو موقف تعرضت له أثناء استضافتي في أحد البرامج التليفزيونية، في شهر أكتوبر الماضي، للحديث عن ذكريات الحرب والعمليات العسكرية، وعند وصولي إلى الأستوديو، سلمت مساعدة المخرج، فيلماً تسجيلياً قصيراً، لتقوم بعرضه عند نقطة معينة من الحوار. كان الفيلم عن موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، وهو يتحدث، بأسى وحزن، عما حققه المصريون من نصر خلال العبور وخلال الحرب، فإذ بي أفاجأ بمساعدة المخرج تسألني “من هو مشي ديان؟”!! وبالرغم مما أصابني من حسرة وألم لسماع السؤال، أعتقد أنهما كانا السبب في أن أرى تلك الحلقة التي قدمتها هي أسوأ لقاء تليفزيوني أجريته، إلا أنني لم ألق اللوم على هذه الشابة المتخرجة من إحدى الجامعات المصرية وحدها، بل أرى أن اللوم يوجه إلى جهات عديدة أخرى، بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم التي ذكرتها من قبل، ومنها وزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة، والإعلام، وغيرهم … ممن غاب دورهم الحيوي في إحياء ذاكرة الشعب المصري، وإطلاع الأجيال الجديدة منه على بطولات الشعب المصري وبطولاته المسلحة.

أقول ذلك حتى لا تتوه منا، مرة أخرى، ذكرى أعظم حرب للمصريين في التاريخ الحديث، وتتحول هذه الذكرى إلى مجرد عطلة رسمية للمصريين … وينتهي مولد سيدي أكتوبر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى