الأمن القومي والمنطقة العربيةالأهراممقالات صحفية

أخطر وثيقة أمريكية عن مصر 2020

تعتبر عمليات التقديرات والتحليلات المستقبلية في مجال العلوم الاستراتيجية والأمن القومي، من أصعب وأعقد الأمور التي تواجه الدول عند إعداد خططها المستقبلية، وبالتالي السياسات التي ستنتهجها. ويزداد الأمر تعقيداً إذا ما تعلقت تلك الدراسات والتحليلات بدول أخرى، وتحالفات إقليمية ودولية.

ومن هنا جاءت أهمية الدراسات الاستراتيجية التي تقوم بها المراكز البحثية المتخصصة في تلك المجالات، أو تلك التي يتم تكليف لجان وهيئات للقيام بها، بافتراضالتزام الدول بتقديم المعلومات والبيانات الخاصة بموضوع التحليل،وأهمها البيانات الاقتصادية المستقبلية وبيانات القوة العسكرية. حيث تعتمد هذه الدراسات في الأساس على الجانبين الاقتصادي والعسكري، وارتباطهما معاً، في تحديد القوة الشاملة للدولة، والتأثير على موقفها المستقبلي. وعادةما تغطي هذه الدراسات خمس سنوات مقبلة(Five years in advance).

من المعروف أن الدولة القوية اقتصادياً، يجب أن يكون لديها قدرة عسكرية لحماية هذه القوة الاقتصادية. كما أن قوتها الاقتصادية تحدد قدرتها على تدبير احتياجاتها من الأسلحة والأنظمة الدفاعية المختلفة. ويمكن أن نستثني دولة واحدة فى العالم من تلك المعادلة وهي اليابان،فرغم مالديها من قوة اقتصادية هائلة، إلا أنها تعتمد حالياًعلى الولايات المتحدة الأمريكيةفي تأمين وحماية هذه القوة.

واليوم نكشف عن واحدة من أهم تلك الوثائق والدراسات المستقبلية الأمريكية، التي صدرت مؤخراً،وقادتني الظروف للإطلاع عليها، حول شكل القوى العالميةفي عام2020. وقد تم تقسيم الدول، في تلك الدراسة، إلى مجموعات:مجموعة أمريكا الجنوبية – مجموعة آسيا –مجموعة الدول الأوربية (بدون روسيا)–روسيا كعنصر دراسة مستقل – مجموعة أفريقيا(بدون مصر)– مجموعة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بدون مصر)–ثم دراسة منفصلة عن مصر.

أثار انتباهي، بشدة، وجود دراسات منفصلة ومستقلة لكل من مصر وروسيا في التقديرات الأمريكية، وقدأتفهم أسباب أن يكون لروسيا دراسة منفصلة، فهو أمر طبيعي،في ظل الدور الذي يؤديه بوتين، حالياً، وما يقوم به من محاولات لاستعادة دور الاتحاد السوفيتي القديم كقوة عظمى.أما الدراسة المنفصلة عن مصر، فرغم أنه كان أمراً محيراً في البداية،إلا أنه بالتعمق في تفاصيل ما ورد بها،أدركت وجوب أن يكون لمصر تحليلاً منفصلاًحتى عام 2020، للأسباب التالية:

1- أكدت هذه الدراسة الأمريكية أنه بحلول عام 2020 ستصبحمصر منأكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي في المنطقة، من حقولها الجديدة في البحر الأبيض المتوسط وشرق الدلتا المصرية. وهذا الإنتاج من الغاز الطبيعي، سيحقق لمصر اكتفاءاً ذاتياً من الوقود في مجالات الصناعة والاستهلاك المنزلي، كما سيحقق فائضاًكبيراً للتصدير.

2- هذا الإنتاج الوفير من الغاز عام 2020 سيمكن مصر من إنشاء خط لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر قبرص واليونان.كما ستشارك هاتان الدولتان في استخدام هذا الخط أيضاً لتصدير فائض إنتاجهمامن الغاز، كما أوضحت الدراسة. وهو ما أكدتهزيارة الرئيس السيسي مؤخراً إلى اليونان وقبرص، لتوثيق اتفاقيات الحدود البحرية، وبدء فعاليات التعاون بين الدولتين، بالإضافة إلى تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة.

3- أكدت الدراسة أنه نظراً لهذا الإنتاج الكبير من الغاز الطبيعي، وطبقاً للخطط الاستثمارية الطموحة للاستفادة من الطاقة البشرية للدولة، فمن المنتظر أن يتضاعف الدخل القومي المصريعدة مرات (ولن أتعرض للأرقام التي جاءت بالدراسة مؤكدةارتفاعالدخل القومي لمصربصورة كبيرة للغاية)،فمن المقدر أن تصبح مصر واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط بحلول عام 2020.

4- تناولت الدراسة قيام مصر،منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد وزارة الدفاع المصرية، بتطوير وتحديث قوتها العسكرية،لتكتمل تلك المهمة في عام 2020.وهو ما يعد بداية لخروج مصر من العباءة العسكرية الأمريكية، وما تفرضه من قيود على مصر.

5- أكدت الدراسة أنه مع تزايدقوة مصر السياسية في المنطقة، وبمنطق قوى الدولة الشاملة (اقتصادياً–عسكرياً–بشرياً–ثقافياً وحضارياً – إقليمياً)،ستصبح مصر من أكثر الدول نفوذاً في المنطقة. وهو ما اعتبرته الدراسة تغيراً في موازين القوى في الشرق الأوسط.

كان ذلك ملخصاً لأهم ماجاء بالدراسة حول مصر، وقد حرصت على تجنب ذكر الأرقام التي تؤيد هذه التحليلات،ومعلومات أخرى جاءت بالوثيقة، نظراً لكونها واحدة من أهم الوثائق السرية، وإن كنت حريصاً على تقديم المضمون لأهم ما جاء بها.

وهنا ينتهى دور الدراسة التي تقوم بتقديمالرؤيةوالتحليل لصانع القرار الأمريكي، ليتم على أساسها تحديد الاستراتيجية الأمريكية،والسياسة الخارجية نحو مصر في هذه الفترة وحتى عام 2020.

وقد أستوقفتني الدراسة كثيراً، وجعلتني أعيد التفكير مرة أخرى في المشهد السياسيالمحلي والعالمي، وأخرج منها بالعديد من الاستنتاجات والتوقعات، النابعة من رؤيتي الشخصية، حول ما ستكون عليه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه مصر في الفترة المقبلة، وهو ما أود أن أشارك القارىء فيه:

1- أول توقعاتي أن تحاول الولايات المتحدةعرقلة حدوث استقرار سياسي في مصر خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال (إثارة الفتن الدينية –استغلال الشباب نظراً لما تمر به مصر من بطالة في المرحلة الحالية – الضغوط الاقتصادية والعسكرية).

2- الدفع بقوة من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار في مصر، وتصعيد أزمات للحكومة والإدارة المصرية.

3- محاولة دفع الإدارة المصرية للاشتراك بقواتها العسكرية في النزاعات الدائرة بالمنطقة لاستنزاف الموارد المصرية خلال الفترة القادمة.

4- السعي، بجهد، لخلق وتأجيج النزاعات الإقليمية في المنطقة، وتصدير المشاكل السياسية والعسكرية لمصر (سد النهضة في أثيوبيا – مضيق باب المندب – السودان وإثارة مشاكل حلايب وشلاتين – قطاع غزة وحركة حماس)

5- إلى جانباستمرار الدعم الغير مباشرللقوى المناوئة للنظام السياسي، مثل الإخوان المسلمين، لإثارة الرأي العام وإحداث بلبلة في الشارع المصري.

6- وبعد أن تم الكشف عن معظمها أساليبها التي تم اتباعها من قبل لاستخدام الشباب المصري والمنظمات الأهلية للعمل ضد مصلحة مصر، ستبدأ في استحداث أساليب جديدة، فأسلوب دورات الشباب في الخارج (مثل دورات صربيا) انكشف أمره ولم يعد يجدي نفعاً.

7- إضافة إلى محاولات كثيرة للضغط على مصر، من خلال المنظمات الدولية، لإثارة الموضوعات المتعلقة بـ(حقوق الإنسان – حرية الصحافة والإعلام – المعاملة في السجون المصرية – حبس الصحفيين الأجانب – حرية الأقليات في مصر).

8- كما أتوقعأن يتم استخدام ورقة الضغط العسكريعلى مصر،من خلال عدم توفير قطع الغيار اللازمة، وعدم تطوير الأسلحة الأمريكية الموجودة في مصر، خاصة وأن المعونة العسكرية الأمريكية لمصر ستنتهي عام 2018.

ومن هذا المنطلق، يجب أن تركز مصر في الفترة القادمة، حكومة وشعباً، على ضرورة تكاتف جميع القوى السياسية والحزبية في الوقوف صفاً واحداً أمام هذه المخاطر التي ستتعرض لها البلاد مستقبلاً.بل يجب على هذه القوى دعمالرئيس عبد الفتاح السيسي في كافة قراراته وسياساته، وخاصة في مجال السياسة الخارجية.

كما يجب على البرلمان الجديد الإلتزام بدعم الأمن القومي للدولة، والتصدي لمحاولات القوى المضادة لزعزعة الاستقرار في مصر، والبدء في مناقشة الحكومة في خططها المستقبلية حتى عام 2050، في ظلالمتغيرات القادمة.

أما بالنسبة للقوى الإعلامية بالدولة، فعليها توحيد صفها  لتوعية المصريين بالمخاطر التي ستتعرض لها البلاد في الفترة القادمة، مع التركيز على المخططات التي تهدف إلى إثارة الفتن الدينية والعرقية، وإحداث شرخ بين الشعب وقواته المسلحة.

ومن ناحية الحكومة،فعليها إعداد وتجهيز خطة التنمية الشاملة للدولة المصرية حتى عام 2050 في إطار المتغيرات المنتظرة، والطفرة الاقتصادية المنتظر حدوثها عام 2020، وذلك من خلال خطط تدريب العمالة المصرية، والاستفادة بالثروة البشرية المصرية، لتنفيذ الخطط الاستثمارية المستقبلية، مركزة في ذلك على التنمية البشرية (بالصحة والتعليم)  … فالشعب المريض والجاهل لن يصنع أمة.

أما شعب مصر العظيم، فيجب أن يتحمل قدره، ويكون واعياً لتلك المؤمرات المتربصةبمصر في الفترة القادمة، وخاصة أن تلك الفترة ستشهد العديد من المحاولات الأمريكية لإحداث قلائل ومشاكل لمصر، على المستويين الخارجي والداخلي. الأمر الذي يستدعي منجميع المصريين،قيادة وشعباً، أن يتكاتفوا ضد تلك المحاولات التي تحاول عرقلة خطانا الثابتةنحو المستقبل الذي تنبأت به الدراسات الأمريكية ذاتها،وعليه تحاول تعطيل الشعب المصري عن السعي نحو التقدم. ففي حين علينا الاستعداد لما ينتظرنا من مستقبل، يحمل لنا الكثير من الخير والأمل،ويتطلب مننا العمل الجاد، وربما الشاق، لتطوير أنفسنا ورفع قدراتنا،يجب أن نعي أن القوى الخارجية لن تتوقف عن محاولات التشتيت وإثارة الفتن وخلق المشكلات.

ورغم كل ما يحاك في الأفق ضد مصر، إلا أنني أرى أن السبع سنوات العجاف قد أوشكت على الانقضاء بإذن الله … بارك الله فيك يا شعب مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى