الأمن القومي والمنطقة العربيةالأهراممقالات صحفية

الردع

عندما تولى الفريق أول عبد الفتاح السيسى مهام وزارة الدفاع، بدأ على الفور، ومنذ اللحظة الأولي، تطوير القوات المسلحة المصرية، واضعاً نصب عينيه عدة اعتبارات، منها تنويع مصادر السلاح … والتحول إلى الأسلحة والمعدات المتطورة، إعمالاً لمبدأ الكيف وليس الكم.

ويحسب لهذا الرجل تفكيره فى تطوير القوات البحرية المصرية ورفع كفاءتها، بهدف تكوين أسطول بحرى شمالي، للعمل فى البحر الأبيض المتوسط … وأسطول بحرى جنوبي، للعمل فى البحر الأحمر، بهدف حماية الاستثمارات المصرية فى كلا الاتجاهين، لما يمثلانه من بُعد استراتيجى وقومى لمصر.

كما وضع فى اعتباره المتغيرات السياسية فى المنطقة، خاصة بعدما حدث فى اليمن من انهيار النظام بها، لتصبح بذلك خارج حسابات الأمن القومى المصري، نظراً لتعذر الاعتماد عليها لحين استقرار الأوضاع بها. وهو ما دفعه للعمل على توفير أسلحة ومعدات، قادرة على الوصول، منفردة، إلى عمق إفريقيا، خاصة منطقة باب المندب، لتأمين دوائر الأمن القومى الجنوبية. وهو ما يفسر بدء زياراته إلى روسيا، وما أعقبها من زيارات متبادلة بينه وبين الرئيس بوتين، والمباحثات التى جرت بينهما لتحديث القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي. فضلاً عن المباحثات مع فرنسا، التى أسفرت عن الصفقة الكبيرة للمقاتلات الرفال وحاملات المروحيات الميسترال، وكذلك صفقة الغواصات الألمانية، التى تعد أحدث ما هو موجود فى الترسانات البحرية فى العالم.

وللأسف تعالت بعض الأصوات فى مصر، منتقدة توجيه مصر كل هذه الأموال لتوفير الأسلحة الحديثة، ومفضلة توجيهها إلى مجالات استثماراية جديدة، كالمصانع والمستشفيات والمدارس، للقضاء على البطالة، ورفع مستوى التعليم والصحة بمصر. واستشهد البعض فى ذلك، بمقولة مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، وصانع نهضتها، »إن سر نجاح أى دولة، هو نجاحها فى التنمية البشرية«، قاصداً بذلك طرفى التنمية البشرية … التعليم والصحة. وبالرغم من اتفاقى مع تجربة مهاتير محمد، وفكره، فإن ذلك لا يتعارض، مع أهمية تسليح الدول، والحفاظ على قوتها العسكرية.

وقد أراد القدر أن يثبت، لأصحاب تلك الأصوات، أن وضوح الرؤية، والفكر الاستراتيجى للأمن القومى المصريين من أهم ما يتمتع به عبد الفتاح السيسى من صفات … فلقد تدهورت الأوضاع فى اليمن وازداد الموقف بها سوءاً، وتعقيداً، بعد سيطرة الحوثيين على المشهد هناك، وهو ما يعني، بالتالي، تدخل إيران فى الموقف، بما يهدد أمن منطقة باب المندب. وعلى صعيد آخر تصاعدت الأحداث مع إثيوبيا، التى تتحكم فى نسبة 85% من تدفقات مياه نهر النيل إلى مصر، فأصبح لزاماً علينا أن تكون لنا القوات المسلحة، وبالأخص القوات البحرية، لتؤمن منطقة باب المندب، والبحر الأحمر بكامله، لضمان سلامة الملاحة فى قناة السويس، التى تُشكل إيراداتها ثلث الدخل القومى المصري.

ومع بدء الاكتشافات البترولية فى شمال مصر، بدأت التحرشات من مختلف الدول، بجيرانها … فهذه تركيا تتحرش بمصر بإعلانها عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان … إضافة إلى تحرشها بقبرص باعتراض عمل حفارات التنقيب عن البترول … فضلاً عن التحرشات على الجانب الشمالى الشرقي، إذ تحاول إسرائيل منع الحكومة اللبنانية من التنقيب عن البترول فى «البلوك 9»، مدعية سيادتها عليه، بالرغم من وقوعه فى المياه اللبنانية. وأصبح البحر المتوسط منطقة ملتهبة … فهذه الدولة ستتقدم بشكوى للأمم المتحدة ضد جارتها، وتلك الدولة تستعين بالمدمرات الإيطالية لتأمين حفارات الغاز فى مياهها الإقليمية.

أما مصر … فلقد كانت قوتها العسكرية المُطورة حديثاً، خاصة القوات البحرية، هى سلاح الردع لأى طرف من مجرد التفكير من القيام بأى عمل ضد استثماراتها البترولية … وتمثل الردع المصرى فى وجود هذا الحجم من الأسلحة والمعدات المتطورة، التى تردع أى طرف من التفكير فى المساس بها، وبأهدافها الاستراتيجية … وهو ما يُعرف فى العلوم العسكرية باسم االردع السلبي«، أى أن الطرف الآخر .. يرى قوتك، ويقدر حجمه أمامها، ويحسب حساباته، فيقرر عدم التعرض لك أو لاستثماراتك.

أما االردع الإيجابي«، فتمثل فى االعملية سيناء 2018«، عندما انطلقت القطع البحرية إلى داخل البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً إلى منطقة حقل ظهر، وأطلقت القوات البحرية صواريخها المختلفة، خلال التدريبات، فكانت رسالة واضحة، منعت أى طرف من مجرد التفكير فى التحرش بالاستثمارات المصرية. واستطاعت مصر، بفضل الله، وبفضل القرار الاستراتيجى لرفع كفاءة قواتها المسلحة، من تحقيق الردع السلبى والإيجابي، لجميع الأطراف المتربصة بها فى المنطقة من مجرد التفكير فى المساس بمقدرات شعبها، أو النيل من أمنه وسلامته. وهذا الردع سوف يمنع أى طرف من القيام بمغامرة عسكرية ضد مصر … بمعنى آخر، فإن الردع .. يحقق لمصر وشعبها الحفاظ على ثرواتهم، ويمنع نشوب حروب نحن فى غنى عنها.

والآن السؤال البسيط لكل من تشكك، آنذاك، فى قرار زيادة التسليح … ماذا لو لم يتم شراء هذه الأسلحة المتطورة لتأمين حدودنا، واستثماراتنا؟ … أعتقد أنه لولاها لكنا الآن نجوب أروقة الأمم المتحدة، حاملين شكوانا لمجلس الأمن … أو كنا نطلب المدمرات من الدول الصديقة، لحماية استثماراتنا … أو نكتفى بالسكوت، مثلما فعلت اليابان، عندما استولت كل من روسيا والصين على جزرها، ولم تتحرك اليابان … لك الله يا مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى